فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}.
هذا الخطاب عام لجميع المؤمنين، و{خطوات} جمع خطوة وهي ما بين القدمين في المشي فكأن المعنى لا تمشوا في سبله وطرقه من الأفعال الخبيثة، وقال منذر بن سعيد يجوز أَن يكون {خطوات} جمع خطأ من الخبيثة، وسهلت الهمزة فنطق بها {خطوات} وقرأ بضم الطاء من {خُطوات} الجمهور، وقرأ بسكونها عاصم والأعمش، وقرأ الجمهور {ما زكى} بتخفيف الكاف أَي ما اهتدى ولا أسلم ولا عرف رشدًا، وقرأ أبو حيوة والحسن {زكّى} بشد الكاف أي تزكيته لكم وتطهيره وهدايته إنما هي بفضله لا بأعمالهم وتحرزكم من المعاصي، ثم ذكر تعالى أنه {يزكي من يشاء} ممن سبقت له السعادة وكان عمله الصالح أمارة على سبق السعادة له، ثم أخبر بأنه {سميع} لجميع أقوالهم وكلامهم من قذف وغيره، {عليم} بحق ذلك من باطله لا يجوز عليه في ذلك وهم ولا غلط.
{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى}.
المشهور من الروايات أن هذه الآية نزلت في قصة أبي بكر بن أبي قحافة الصديق ومسطح بن أثاثة، وذلك أنه كان ابن خالته وكان من المهاجرين البدريين المساكين وهو مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف، وقيل اسمه عوف ومسطح لقب، وكان أَبو بكر ينفق عليه لمسكنته، فلما وقع أمر الإفك وقال فيه مسطح ما قال حلف أبو بكر ألا ينفق عليه ولا ينفعه بنافعة أبدًا، فجاءه مسطح فاعتذر وقال إنما كنت أغشى مجلس حسان فأسمع ولا أقول، فقال له أبو بكر لقد ضحكت وشاركت فيما قيل ومر على يمينه، فنزلت الآية، وقال الضحاك وابن عباس إن جماعة من المؤمنين قطعوا منافعهم عن كل من قال في الإفك وقالوا والله لا نصل من تكلم في شأن عائشة فنزلت الآية في جميعهم والأول أصح، غير أن الآية تتناول الأمة إلى يوم القيامة بأن لا يغتاط ذو فضل وسعة فيحلف أن لا ينفع من هذه صفته غابر الدهر، ورأى الفقهاء من حلف ألا يفعل سنة من السنن أو مندوبًا وأبد ذلك أنها جرحة في شهادته ذكر الباجي في المنتقى، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أيكم المتألي على الله لا يفعل المعروف» و{يأتل} معناه يحلف وزنها يفتعل من الألية وهي اليمين، وقالت فرقة معناه يقصر من قولك ألوت في كذا إذا قصرت فيه، ومن قوله تعالى: {لا يألونكم خبالًا} وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وزيد بن أسلم {ولا يتأل} وهذا وزنه يتفعل من الألية بلا خلاف وهي في المصحف ياء تاء لام، فلذلك ساغ هذا الخلاف لأبي جعفر وزيد فروياه، وذكر الطبري أن خط المصحف مع قراءة الجمهور فظاهر قوله إن ثم ألفًا قبل التاء، والفصل والسعة هنا هي المال، وقوله تعالى: {ألا تحبون} الآية تمثيل وحجة أي كما تحبون عفو الله لكم عن ذنوبكم فذلك أغفر لمن دونكم وينظر إلى هذا المعنى قول النبي عليه السلام «من لا َيرحم لا يُرحم» فروي أن أبا بكر رضي الله عنه لما نزلت هذه الآية قال إني لأحب أن يغفر الله لي ورجع إلى مسطح النفقة والإحسان الذي كان يجري عليه، قالت عائشة وكفر عن يمينه، وقرأ ابن مسعود وسفيان بن حسين {ولتعفوا ولتصفحوا} بالتاء من فوق فيهما، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعض الناس هذه أرجى آية في كتاب الله عز وجل من حيث لطف الله فيها بالقذفة العصاة بهذا اللفظ، قال القاضي أبو محمد وإنما تعطي الآية تفضلًا من الله في الدنيا وإنما الرجاء في الآخرة، أما أن الرجاء في هذه الآية بقياس أي إذا أمر أولي السعة بالعفو فطرد هذا التفضل بسعة رحمته لا رب سواه، وإنما آيات الرجاء قوله تعالى: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} [الزمر: 53]. وقوله تعالى: {الله لطيف بعباده} [الشورى: 19]. وسمعت أبي رضي الله عنه يقول إن أرجى آية في كتاب الله عندي قوله تعالى: {وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلًا كبيرًا} [الأحزاب: 47]. وقد قال تعالى في آية أخرى: {والذين آمنوا وعملو الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير} [الشورى: 22]. فشرح الفضل الكبير في هذه الآية وبشر بها المؤمنين في تلك، وقال بعضهم أرجى آية في كتاب الله تعالى قوله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} [الضحى: 5]. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى ببقاء أحد من أمته في النار. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {لا تَتَبِعُوا خُطُواتِ الشَيطان} أي: تزيينه لكم قذف عائشة.
وقد سبق شرح {خطوات الشيطان} وبيان {الفحشاء والمنكر}.
قوله تعالى: {ما زَكَى مِنكم} وقرأ الحسن، ومجاهد، وقتادة: ما زكَّى بتشديد الكاف.
وفيمن خوطب بهذا قولان:
أحدهما: أنه عام في الخلق.
والثاني: أنه خاص للمتكلمين في الإفك.
ثم في معناه أربعة أقوال.
أحدهما: ما اهتدى، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثاني: ما أسلم، قاله ابن زيد.
والثالث: ما صلح، قاله مقاتل.
والرابع: ما طهر، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: {ولكنَّ الله يُزكي مَن يَشاء} أي: يطهر من يشاء من الإثم بالتوبة والغفران، فالمعنى: وقد شئت أن أتوب عليكم، {واللهُ سَمِيعٌ عَلِيم} علم ما في نفوسكم من التوبة والندامة.
قوله تعالى: {ولا يأتلِ} وقرأ الحسن، وأبو العالية، وأبو جعفر، وابن أبي عبلة: {ولا يتألَّ} بهمزة مفتوحة بين التاء واللام وتشديد اللام على وزن يَتَعلَّ.
قال المفسرون: سبب نزولها أن أبا بكر الصديق، كان ينفق على مسطح لقرابته وفقره، فلما خاض في أمر عائشة، قال أبو بكر: والله لا أنفق عليه شيئا أبدًا، فنزلت هذه الآية.
فأما الفضل، فقال أبو عبيدة: هو التفضل والسعة: الجِدةْ.
قال المفسرون: والمراد به: أبو بكر.
قوله تعالى: {أن يؤتوا} قال ابن قتيبة: معناه: أن لا يؤتوا، فحذف {لا} فأما قوله أولي القربى، فانه يعنى مسطحا، وكان ابن خالة أبي بكر، وكان مسكينًا وكان مهاجرًا.
قال المفسرون: فلما سمع أبو بكر: {ألا تحبّون أن يغفر الله لكم} قال: بلى يا رب وأعاد نفقته على مسطح. اهـ.

.قال القرطبي:

الموفية عشرين: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان}.
يعني مسالكه ومذاهبه؛ المعنى: لا تسلكوا الطريق الذي يدعوكم إليها الشيطان.
وواحد الخُطُوات خُطْوة، وهو ما بين القدمين.
والخَطْوة بالفتح المصدر؛ يقال: خَطَوتُ خَطْوة، وجمعها خَطَوات.
وتخطّى إلينا فلان؛ ومنه الحديث أنه رأى رجلًا يَتخطَّى رقابَ الناس يوم الجمعة.
وقرأ الجمهور {خُطُوات} بضم الطاء وسكّنها عاصم والأعمش.
وقرأ الجمهور {مَا زَكَى} بتخفيف الكاف؛ أي ما اهتدى ولا أسلم ولا عرف رُشْدًا.
وقيل: {ما زكى} أي ما صلح؛ يقال: زَكَا يَزكو زَكاء؛ أي صلح.
وشدّدها الحسن وأبو حَيْوة؛ أي أن تزكيته لكم وتطهيره وهدايته إنما هي بفضله لا بأعمالكم.
وقال الكسائي: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان} معترض، وقوله: {ما زكى منكم من أحدٍ أبدًا} جواب لقوله أولًا وثانيًا {ولولا فضل الله عليكم}.
الحادية والعشرون: قوله تعالى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة} الآية.
المشهور من الروايات أن هذه الآية نزلت في قصة أبي بكر بن أبي قُحافة رضي الله عنه ومِسْطح بن أثَاثة.
وذلك أنه كان ابن بنت خالته وكان من المهاجرين البَدْرِيِّين المساكين.
وهو مِسْطح بن أُثَاثة بن عَبّاد بن المطلب بن عبد مناف.
وقيل: اسمه عَوف، ومسطح لقب.
وكان أبو بكر رضي الله عنه ينفق عليه لمسكنته وقرابته؛ فلما وقع أمر الإفك وقال فيه مسطح ما قال، حلف أبو بكر ألا ينفق عليه ولا ينفعه بنافعة أبدًا، فجاء مسطح فاعتذر وقال: إنما كنت أغشى مجالس حسان فأسمع ولا أقول.
فقال له أبو بكر: لقد ضحكت وشاركت فيما قيل؛ ومَرّ على يمينه، فنزلت الآية.
وقال الضحاك وابن عباس: إن جماعة من المؤمنين قطعوا منافعهم عن كل من قال في الإفك وقالوا: والله لا نصِل من تكلم في شأن عائشة؛ فنزلت الآية في جميعهم.
والأول أصح؛ غير أن الآية تتناول الأمة إلى يوم القيامة بألا يغتاظ ذو فضل وسَعة فيحلف ألا ينفع من هذه صفته غابرَ الدهر.
وروى الصحيح أن الله تبارك وتعالى لما أنزل {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} العشر آيات، قال أبو بكر وكان ينفق على مِسطح لقرابته وفقره: واللَّهِ لا أنفق عليه شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة؛ فأنزل الله تعالى {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة إلى قوله أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ}.
قال عبد الله بن المبارك: هذه أرْجَى آية في كتاب الله تعالى؛ فقال أبو بكر؛ والله إني لأحِبّ أن يغفر الله لي؛ فرجَع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال: لا أنْزِعُها منه أبدًا.
الثانية والعشرون: في هذه الآية دليل على أن القذف وإن كان كبيرًا لا يُحبط الأعمال؛ لأن الله تعالى وصف مِسْطحًا بعد قوله بالهجرة والإيمان؛ وكذلك سائر الكبائر؛ ولا يحبط الأعمال غير الشرك بالله، قال الله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65].
الثالثة والعشرون: من حلف على شيء لا يفعله فرأى فعله أوْلَى منه أتاه وكفّر عن يمينه، أو كفّر عن يمينه وأتاه؛ كما تقدم في المائدة.
ورأى الفقهاء أن من حلف ألا يفعل سُنّة من السنن أو مندوبًا وأبّد ذلك أنها جُرْحة في شهادته؛ ذكره الباجي في المنتقى.
الرابعة والعشرون: قوله تعالى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل} {ولا يأتل} معناه يحلف؛ وزنها يفتعل، من الألِيّة وهي اليمين؛ ومنه قوله تعالى: {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ} [البقرة: 226]؛ وقد تقدم في البقرة.
وقالت فرقة: معناه يُقَصّر؛ من قولك: ألَوْتُ في كذا إذا قصرت فيه؛ ومنه قوله تعالى: {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} [آل عمران: 118].
الخامسة والعشرون: قوله تعالى: {أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ} تمثيل وحجة؛ أي كما تحبون عفو الله عن ذنوبكم فكذلك اغفروا لمن دونكم؛ وينظر إلى هذا المعنى قوله عليه السلام: «من لا يرحم لا يرحم».
السادسة والعشرون: قال بعض العلماء: هذه أرْجَى آية في كتاب الله تعالى، من حيث لطف الله بالقذفة العصاة بهذا اللفظ.
وقيل: أرجى آية في كتاب الله عز وجل قوله تعالى: {وَبَشِّرِ المؤمنين بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ الله فَضْلًا كِبِيرًا} [الأحزاب: 47].
وقد قال تعالى في آية أخرى: {والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فِي رَوْضَاتِ الجنات لَهُمْ مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الفضل الكبير} [الشورى: 22]؛ فشرح الفضل الكبير في هذه الآية، وبشر به المؤمنين في تلك.
ومن آيات الرجاء قوله تعالى: {قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} [الزمر: 53] وقوله تعالى: {الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} [الشورى: 19].
وقال بعضهم: أرْجَى آية في كتاب الله عز وجل: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى} [الضحى: 5]؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى ببقاء أحد من أمته في النار.
السابعة والعشرون: قوله تعالى: {أَن يؤتوا} أي لا يؤتوا، فحذف لا؛ كقول القائل:
فقلت يمين اللَّهِ أبْرَحُ قاعدًا

ذكره الزجاج.
وعلى قول أبي عبيدة لا حاجة إلى إضمار لا.
{وَلْيَعْفُواْ} من عَفا الربع أي دَرَسَ؛ فهو مَحْوُ الذنب كما يعفو أثر الربع. اهـ.